“مقدمة في الأدب الانجليزي”
هذا اسم المقرر الذي ابتدأت منه حكايتي مع القلق بشكل واضح للآخرين، كان قلقي قبلها سر خفي، أستطيع كتمه أمام الناس، لكن عندما بدأت دراسة هذا المقرر في السنة الثانية من الجامعة، يعني لم يتجاوز عمري وقتها ٢٠ سنة، بدأ القلق يظهر على السطح ويرآه الجميع.
كان مقرر مقدمة في الأدب الانجليزي مواجهتي الأولى الصريحة مع تعلم وقراءة قصص في اللغة الانجليزية والتي تعتبر طويلة ومعقدة مقارنة بمستواي وعلاقتي في ذلك الوقت مع الانجليزية.
كانت القصص والتي لم تتجاوز ١٠ اسطر، مثل لغز معقد وصعب، كنت كلما فتحت الملزمة للدراسة تتداخل الكلمات في بعضها، وأبدأ بالشعور بالغثيان والارهاق ثم أدخل في نوبة بكاء تنتهي بالنوم.
انتهى المقرر في تلك السنة باصابة بالغة في يدي اليمنى، كنت لفرط التوتر أقطع أظافري والجلد المحيط بها، وبدون احساس مني قطعت كل الجلد من الابهام حتى المعصم، فجأة وأنا في محاولة لفك المصطلحات التي ترقص أمامي بشكل مستفز، بدأت بالشعور بألم في يدي وعندما نظرت، وجدت بركة صغيرة من الدماء ويد متورمه.
ركضت للمستشفى، حاولوا علاجها ولفها بشاش وعدت للبيت، أبكي وأدعو الله أن أجتاز هذه المادة.
واجتزتها، تعرفون بكم؟ A+
نعم حصلت على درجة شبه كامله في الاختبارات والتكاليف والواجبات، لكن هذه الدرجة استنزفتني بشكل كامل.
انتهى الفصل الدراسي وشكوكي حول نفسي كبيرة وكثيرة، ابتداء من كلمة ما أقدر ومستحيل، مرورًا بكل الخيالات السوداوية عن المستقبل وانتهاء بانهيار نفسي داخلي انعكس على شكلي وتصرفاتي وطريقة حياتي.
لم أتعرف على مصطلح القلق في ذلك الوقت، تعرفت عليه بعد ١٠ سنوات تقريبًا من اجتيازي لمادة الأدب الانجليزي، لكني كنت أعيش قلقي يومًا بيوم ودقيقة بدقيقة وثانية بثانية، لم أنسى ماشعرت به بتلك الأيام ، للدرجة التي أشعر فيها الآن وأنا أكتب باضطراب ورغبة في التهام أظافري.
بعد أكثر من ١٣ سنة، وبمجرد مرور ذكرى الأحداث في رأسي، مازلت أشعر باختناق وغثيان وتنميل في مقدمة رأسي.
هذا الألم الذي لا يمكن لأي طبيب غير متخصص في الطب النفسي استيعابه كان المحرك لي لسنوات طويلة، منه وبسببه أقدمت على خطوات أندم عليها لليوم، بسببه خسرت علاقات وشككت في مهاراتي وخسرت فرص لا تتكرر.
هذا الألم الذي لا يمكن لمن لم يمر به استيعابه، لذلك كان سؤالي دائمًا لمن يعرض خدماته لتقديم المساعدة: حسيت فيه؟ مر عليك؟ نام وقام وشرب وأكل معك؟ خلاك تبكي بسبب المطعم الي نسى يحط البطاطس مع الطلب؟ خلاك تنتف مقدمة شعرك؟ أو خلاك تاكل أظافرك لدرجة ماتخليك تنام الليل من نبض الاظفر وألمه؟
لن تستطيع مساعدتي ان لم تشعر به وتعيشه وتتجاوزه، لن تستطيع فهم ألمي على أمر تافه، أو دمعة عيني بسبب كلمة بسيطة.
أنا بين يدي قلقي دمية، يحركني ويعيد ضبطي كيفما شاء، وتزداد اللعبة صعوبة عند اصطدامي بمن لا يشعر.
مرة في السنة الرابعة من الجامعة، في اختبار مادة من أصعب مواد التخرج، كنت شاحبة اللون، هزيلة ومرهقة وخسرت من وزني مايقارب ١٢ كيلو في مدة بسيطة، كنت أشعر أن الحياة تجلس على صدري، اجتهدت في دراسة تلك المادة، وككل مواد التخصص كان الحاجز النفسي أكبر من أن يتخيله أحد.
مرت محاضرة المادة من أمام طاولتي وأنا في منتصف الاختبار وسألتني: فيك شي؟ ثم رفعت رأسها وأعطت محاضرة عن ضرر مشروبات الطاقة وكل الأمور الي تستهلك جهد وطاقة الطلاب وكلام كثير سمعته اذني واخترق قلبي.
تمنيت وقتها لو أملك طاقة للصراخ في وجهها، أو صلاحيات تسمح لي بصفعها أو أي تصرف همجي آخر يرد لي حقي.
على الجانب الآخر، كان من أصعب الأمور التي واجهتها ويواجهها مريض القلق هي توقعات الآخرين حوله، تحديدًا ان كان يعيش حياة اجتماعية صاخبة حيث يخضع للمقارنات والتوقعات، وفي اللحظة التي يشعر بها أنه خيب ظن أحدهم، يسقط في دوامة من التوتر المرضي الذي يؤدي به لأمراض عضوية مثل الخمول والتعب والصداع والغثيان هذا غير اللعثمة والتوتر أثناء شرح الأفكار أو توضيح لبس بسيط يستطيع طفل في الخامسة من عمره شرحه بمهارة بالاضافة للاحباط السريع واليأس وفقدان الأمل بعد أول محاولة.
كانت توقعات الآخرين الفخ الذي وقعت به، كنت أركض بشكل مستمر وتحت ضغط نفسي هائل لتحقيق توقعات الآخرين عني.
(قوية، مستقلة، لا تطلب المساعدة، ماينخاف عليها، دافورة، سنعة، أنيقة، رشيقة، غير متطلبة …. الخ) من الأمور التي كانت تستهلكني نفسيًا ومعنويًا.
وللأسف استمر هذا الركض ١٢ سنة تقريبًا حتى وصلت لانهيار علني، بكاء وهزل واحباط واكتئاب.
استغرق الأمر عشرينيات العمر بكاملها، بكل مغامراتها بكل لياليها وأيامها، لا أتذكر سفرة أو مغامرة أو اجتماع مع صديقات أو عمل بدون الريح العاصفة تحتي، لا أتذكر ليلة نمت فيها بدون استرجاع كل المآسي في العالم والطائرات التي تحطمت والمجاعات والحروب والفقر.
كانت عشرينياتي برغم صخبها وامتلائها ونجاحاتها وانجازاتها، مهرجان من القلق والتوتر،
كتبت هذه التدوينة، لأحاول أن أقول لكم: لا تتركوا القلق يأكل حياتكم، تصدوا له من أول لقاء، اطلبوا المساعدة وابحثوا عنها، جميعنا نستحق أيام هادئة ولطيفة ونجاحات بعيدة عن القلق المرضي.
-كانت عشرينياتي برغم صخبها وامتلائها ونجاحاتها وانجازاتها، مهرجان من القلق والتوتر-
هذه الجملة اصابتني في المقل ! بعد الركض في دوامة القلق والتوتر والضغط النفسي وفي اخر سنة عشرينية بدات تظهر علي نوبات الهلع لكنها كانت بداية لمنعطف اخر أن لا شي يستحق أن أوثر صحتي النفسية عليها 🙁 بدأت ببمارسة الرياضة والمشي خصوصاً في الليل او بدايات الصباح وحتى الآن احاول تجاوز ذلك .. دعواتي لكم معشر الـ متوترون بالسكينة والراحة و – النوم – بدون قضم الاظافر او اصتكاك الاسنان على بعضها –
انهيت القراءة وبدأت بكتابة التعليق وكأن الكلمات تتسابق في الخروج وتتحشرج في حلقي..لم يكن الذي قرأته عاديا أبدا ولم يكن مصادفه.. كأنك تصفين ما يحدث لي مشاعل!
الفرق انني في بداية مشوار القلق الذي بدأ يهشّمني وتجاوزت خساراتي خسارتين حتى الان.
كلماتك مشاعرك قلقك كلها فيّ ، كأنك تصرخين في وجهي.
تدوينتك كانت بمثابة ألم وايضا كـ اخماد جرح حتى ابدأ بمساعدة نفسي حالًا واتجنب بقدر الإمكان بقية ما مررتِ به، اشعر اني فهمت نفسي وما يحدث لي في هذه الفتره من خلال كلماتك.
شكرا لمشاركتنا تجربتك، أتمنى لك حياة مليئة بالطمأنينة وسعادات عارمة ورِضى.