اضغط على ESC للإغلاق

التسويق عن طريق رواية القصص

قبل سنة ونصف تقريبًا، كنت أمر بوعكة صحية فقدت معها نظري في عيني اليمنى لمدة ثلاثة أيام، كانت فترة اختبارات للمرحلة الابتدائية وكانت صغيرتي تواجه بعض الصعوبات مع مادة العلوم، تحديدًا درس الخلية الحيوانية، طلبت منها قراءة الجزء الخاص بأقسام الخلية، ثم بدأت بسرد قصة عنها، صراحة لا أتذكر التفاصيل الآن لكن أتذكر استمتاعها بالدرس واستيعابها الكامل له.

استرجعت هذا الموقف مؤخرًا وأنا أحاول ايصال فكرة عرض عن طريق رواية قصة لزميلة في العمل وجعلني أفكر بالقصة التي استخدمت من قديم الزمان ومازالت تستخدم كوسيلة للتعبير ولايصال الأفكار والأهداف.
بشكل عام تسهل رواية القصص استيعاب المعلومة مهما كان تعقيدها, تبدأ التفاصيل بالتجلي بشكل تدريجي قريب من النفس, ويبدأ العقل باستيعابها بشكل سلس, حيث تساهم رواية القصص في تكوين الارتباطات العاطفية واضافة الصبغة الانسانية التي تلامس الجانب العاطفي والذي يلعب بشكل أساسي في زيادة الولاء وتعزيز الانتماء.

بالصدفة وقعت على مقولة لعالم الاجتماع الأمريكي ستيف هاورد, يقول فيها
“Storytelling is what makes you unique. Everyone has heard the same ’50 years in business…’ ‘Best quality…’ No one cares to hear this anymore. Telling actual stories through content is what creates a true connection.” — Stevie Howard
باختصار يقول هاورد أن رواية قصة حقيقية هو مايجعلك مميزًا حقًا، وبالطبع يقصد بالحقيقي القصص الواقعية التي تمزج بين المشاعر والواقع.

ولعل قصة “سارة ابراهيم – محاربة السرطان” من أفضل الأمثلة على قوة القصة, حيث أثرت لفترة طويلة نسبيًا في المجتمع السعودي باختلاف درجاته، وتفاعل معها اعلاميين وكتاب وطلاب جامعة وموظفين وكانت حديث المجالس لفترة.

في الصحافة الاكترونية تعلمنا أن كل حدث فردي من الممكن أن يتحول لقصة تروى عالميًا وتؤثر في الناس على اختلاف خلفياتهم الدينية والاجتماعية والتعليمية، قد لا تدوم الا لساعات وقد تدوم لسنوات لكنها بالتأكيد ستكون في أرشيف حياتنا الرقمية.

لذلك توجه المسوقين اليوم لأنسنة الحملات التسويقية عن طريق رواية القصص، فأصبح تسويق الفكرة أو المنتج يحاكي في المقام الأول مشاعرك ثم احتياجك.
فالهدف الأول اليوم لأي حملة تسويقية هو بناء رابط انساني بين المنتج والمتلقي عن طريق ايجاد الأفكار المشتركة والمألوفة، مع التركيز بشكل أساسي على عرف المجتمع فمايؤثر بك سلبًا قد يؤثر بغيرك ايجابًا.
وأكثر مايلامس المتلقي اليوم هو نقل الحقيقة العفوية أو اللعب على وتر الماضي والذكريات، من خلال جولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي نلاحظ أن مايؤثر في مواليد التسعينات مختلف عن مايحرك مشاعر مواليد السبعينات، فحسب منتجك واستهدافك تروي قصتك.

في رمضان مثلًا كنت باستمتاع أتابع ردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي على مسلسل العاصوف، فكل جيل كان يتأثر بالمرحلة التي عاشها، ولأني شخصيًا عاصرت مرحلة المجالس المفروشة بالسجاد مثلًا والأحذية المنتشرة أمام أبواب المجالس، والزوالي الحمراء في ساحات المنازل، كان تأثري وتعلقي كبيرًا بهذه المشاهد التي أعادتني لأيام وذكريات حلوة.
ولذا -كمسوقين- نعتمد بشكل كبير على “الحدث” في حملاتنا التسويقية، فقبل كل حملة نقوم ببحث مكثف عن روابط بين المنتج والمتلقي، نبحث في السياق التاريخي والاجتماعي والنفسي لنجد المفتاح لقلب المتلقي.

أذكر مرة قبل عدة سنوات كنت أعمل مع فريق ابداعي، وكنت في عملية بحث عن فكرة ما، كنت في صالة المنزل وبجانبي أخي الكبير وأمي، قمت بتشغيل ملف صوتي لصفارات الانذار.
أذكر جيدًا الآن وكأنه حصل بالأمس ردة فعلهم المتطابقة تقريبًا، ارتياب وخوف وقلق وتوتر، على عكسي لم يؤثر بي اطلاقًا، كنت رضيعة أيام حرب الخليج فلا أتذكر أي من هذه التفاصيل، لكنهم عاشوها وأعاد الصوت كل اللحظات المرعبة لهم.
وهذه الفكرة التي أحاول ايصالها، ماضي المتلقي بأحداثه المشتركة والفردية هو مايؤثر في تقبله بشكل عام.

ومن الأمثلة الممتازة على توظيف القصة في التسويق؛ مقهى دفعة ٨٩ في الرياض، حيث اعتمد بشكل كامل على المشاعر في تسويق منتجه من خلال رواية قصة حقيقية، ف بقدر مايبدو هذا الأمر خاص وشخصي الا أنه يؤثر بالمتلقي ويبني روابط انسانية من خلال توظيف كل التفاصيل الجانبية مثل الصور الحقيقية وأشرطة الموسيقى وتفاصيل لم يعشها الا جيل محدد يتردد على المكان لاسترجاع الذكريات ويزوره جيل آخر من باب الفضول والاستكشاف بالاضافة بكل تأكيد لجودة المنتج.

شخصيًا، أعتبر نشر آراء العملاء وتجاربهم من رواية القصص، خاصة التجارب التي تربط استخدام المنتج بمناسبة معينة؛ عميل مثًلا عاش مع منتجي لحظات مميزة في شهر العسل أو عميل آخر كان منتجي مرافق له عندما رزق بطفله الأول وآخر كان منتجي معه عندما تخرج من الجامعة .. والأمثلة كثيرة، هذا النوع من الآراء -برأيي- يساعد كثيرًا في تحفيز الخيال وفضول التجربة لدى الفئة المستهدفة.

أحب طريقة “دوف” في التسويق لمنتجاتهم؛ انسانية وواقعية وغير متكلفة، مثلا هذا الاعلان عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الفتيات؛ حقيقي جدًا، مؤلم جدًا وواقعي جدًا.
وبمجرد الانتهاء من مشاهدته ترغب بتمريره لعشرات الأصدقاء ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بك ليشاهده أكبر قدر ممكن من الناس. وهذا بالضبط الهدف خلف كل الجهود التسويقية في الحملات “الانتشار“.

عشرات الشركات العربية اليوم تستخدم القصة في تسويقها سواء كان المحتوى مقروء أو مسموع أو مرئي وتتربع شركة زين على عرش هذه الشركات.

أخيرًا، بعض النصائح التي مررت بها بنفسي أثناء عملي على حملات تسويقية ابداعية:

  1. اسأل نفسك عن ميزتك التنافسية وابني من الاجابة القصة المناسبة.
  2. البحث الجيد قبل البدء بأي حملة تسويقية لأن خطأ بسيط في سياق قصتك، يجعل أثرها عكسي.
  3. ركز على بناء العلاقات العميقة مع عملائك من خلال رواية القصة المناسبة.
  4. انشر تجارب عملائك مع منتجك  واصنع منها قصة.
  5. التسويق العاطفي استراتيجي تسويقية ناجحة في زيادة عدد عملائك وفعالة في اعادتهم لك مرات عديدة، تحتاج الفطنة وسرعة البديهة لاقتناص الفرصة المناسبة وخطة للمحافظة على صعودك بعدها، ف بناء علاقة مع عملائك يحتاج استراتيجية طويلة المدى وفهم عميق لرغباتهم وتفضيلاتهم لتروي القصة المناسبة لهم.
  6. القصة تصنع شخصية منتجك، فاختر لمنتجك شخصيته المناسبة.

أثناء بحثي لكتابة هذه التدوينة, وجدت مرجع جميل وبسيط للتمرين على كتابة القصص الرقمية مقدم من substance abuse and mental health service administration الأمريكية, أعجبني التمرين وأعجبني أكثر الهدف منه وهو تشجيع الناس على رواية قصصهم الشخصية لمساعدة الآخرين على التشافي ونشر الأمل.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *