اضغط على ESC للإغلاق

وش مقلقك؟| مقدمة

بدأ القلق معي في وقت مبكر من حياتي، كنت أشعر بالاضطراب وكانت هناك عشرات العلامات تدل عليه، بل أجزم أنه في سنوات معينة تحول من قلق لاكتئاب شرس، لكنها رعاية الله ولطفه التي غمرتني ومازالت تغمرني.

رحلتي معه ليست رحلة سنتين أو ثلاثة، أكثر من ١٩ سنة وأنا أعاني منه، تحديدًا من بداية حرب العراق في ال ٢٠٠٣، كنت صغيرة في الصف الثالث المتوسط أتابع أخبار الحرب قيامًا وقعودًا، صباحًا ومساءً، نشأت بعقدة الذنب من الرفاهية التي أعيشها، نشأت وأنا أشعر أني لا أستحق وأن الزمن سيدور وسنهلك تحت نيران القصف والاحتلال.

بجانب هذا كله كانت هناك الصورة المثالية التي نشأت عليها، أنت الأفضل والأحسن والأشطر والأنجح، وهذا بالتأكيد غير صحيح، انتهيت بأني أعيش حالة من الشك المستمر في قدراتي، أبحث عن الرضا في عيون الآخرين لا في عيني. أبحث عن النقص في كل أمر مكتمل.

وهكذا نشأت وكبرت وكونت علاقاتي، من هنا بدأت الحكاية التي عشت بسببها سنوات من الأذى النفسي والجسدي، سنوات من كبت المشاعر ومحاولة الرضا.

بدأت بعد ١٠ سنوات تقريبًا برحلة العلاج، كانت بدايتها خجولة ومترددة، خفت من كلام الناس وأحكامهم، وكانت أول زيارة للطبيب بتشجيع من احدى صديقاتي، وكانت زيارة وحيدة يتيمة خفت من تكرارها، تكلمت مع الطبيب عن كل شيء وأتذكر تعليقه عندما قال “أنت ذكية جدًا، تعطيني المشكلة والحل في نفس الوقت، لا تحتاجين لدواء، اقرئي هذه الكتب وارجعي”

تشخيص نفسي بهذه المهارة ليس شطارة، بل هذا سلوك من سلوكيات القلق التي اكتشفت بعد سنوات أن المجتمع يعززها على أنها شطارة ونباهة، فنكبر ونحن نتنافس على اكتساب هذه السلوكيات.

حتى اليوم أذهب للطبيب بتشخيص تفصيلي لنفسي، وقائمة من العلاجات المقترحة مع تصنيف واضح لمنع التعارض بينهم، هذا يعني أني حال احساسي بالعرض لا أكتفي بقراءة أول صفحة من نتائج بحث قووقل، بل أتعمق في الأوراق البحثية والكتب وقد يصل الأمر لسؤال الأصدقاء الي يمكن قد “عطسوا ٦ عطسات ورا بعض” ، وعندي مهارة البحث عن الدواء من الشركة الأفضل، تصنيع مصري، سويسري، كندي .. وعندي مهارة مفاوضة الأطباء على جرعات الدواء لأني قرأت …… الخ.

هذه ليست شطارة، هذا قلق إضافي، وتقمص دور ليس دوري، والتحدث بعلم لا أعرفه، ومساحات محجوزة أكثر في العقل، وقلق!

لسنوات وأنا ألتهم أظافري بشراهة وأنتف مقدمة شعري، وأتنفس بطريقة غير منتظمة، وعشرات المرات لم أنم بسبب اختبار في صباح الغد، ولسنوات عشت مع ارتفاع حرارة جسمي ليلة الاختبارات النهائية، ولسنوات غذى القلق وجهي الأصفر وهالاتي السوداء.

لذا قررت أن أكتب تجربتي، أشاركها لأني أعلم أن الجميع يعاني، وهذه الحياة السريعة الممتلئة بالأحداث والمعلومات تغذي كل ممارسات القلق التي عرفتها البشرية.

كما أعرف أني لن أشفى منه بشكل كامل، لأنه في تركيبتي الأساسية، جزء من جيناتي، لذا تعلمت ماتعلمته بالطريقة الصعبة للتعايش معه بشكل صحي.

أعرف عندما يزورني أنه هنا، وأصطاد الفكرة القلقة وأهذبها، كما استسلم له في أيام عديدة، أتركه ينهش عقلي ويتحكم برجفة يدي، لكني أعود بعد عدة أيام بوعي وتركيز كاملين.

سأكتب في تدوينات عديدة مواقفي وتجاربي وتماريني وأتمنى أن تساعدكم على التجاوز أو تدلكم على حل ضاع منكم وسط الزحام.

مشاعل

التعليقات (4)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *