اضغط على ESC للإغلاق

كيف تؤثر كوارث العالم على مريض القلق؟ #١

أكتب الآن وأنا أمر بنوبة من نوبات القلق التي يصعب معها النوم أكثر من ٥ ساعات متصلة، توقف الاستيقاظ الفزع منذ فترة الحمدلله، لكن مازلت حتى اليوم لا أتحكم بأرق القلق.

بدأت هذه النوبة مع زلال تركيا وسوريا، كانت الأمور أصعب في بداية الكارثة، لم أنم ٣ أيام متصلة خوفًا من سقوط السقف على طفلي، لم أغمض عيني خوفًا من خسارة أحد والاستيقاظ على مصيبة.

مع كل كارثة تحدث في العالم أصاب بقلق مفرط، بدأ هذا القلق قبل فترة طويلة، تحديدًا مع أحداث ١١ سبتمبر ثم حرب العراق، كنت أراقب وأتابع الأخبار على مدار الساعة، ثم جاءت حرب بيروت وتبعها الربيع العربي بكل تقلباته وأحداثه ولا أنسى طبعًا توسونامي، عشت كل الأحداث يومًا بيوم ودقيقة بدقيقة وحدث بحدث، قرأت كل ماوقعت عليه عيني من مقالات في المنتديات والصحف، صرت من أشد المتابعين لبرنامج الاتجاه المعاكس وتعمقت في قراءة أدب السجون بل امتد أثر هذه الأحداث لقرارات كبيرة مثل تخصصي الدراسي حينما قررت المضي مع خيار الصحافة الإلكترونية.

بالنسبة لي تعتبر المؤثرات الخارجية مثل وحش مستعد للإنقضاض على عقلي في أي لحظة، وهذا مبرر لأني لا أملك أي سيطرة عليها وهذا الإحساس بعدم القدرة على التحكم يأخذ القلق لمستوى مرتفع تصعب السيطرة عليه.

في البداية زارتني نوبات هلع كثيرة، كنت صغيرة في الصف الأول المتوسط، ولم أعرف مالذي يحدث لي، كنت بمجرد أن أغمض عيني أسمع داخل رأسي أصوات المتفرجين على انهيار البرجين وأصوات سيارات الإسعاف والهلكوبتر، فأجلس هلعة أبحث عن أي مشتت، ثم تبعها صراخ الأمهات والأطفال العراقيين الهاربين من تدمر البنايات والقصف وبعدها أصوات اللبنانيين الهلعين من قصف طائرات الاحتلال وصورة مطار بيروت وهو يحترق لم تفارق عيني حتى اللحظة، ثم مسلسل التغريبة الفلسطينية وكل مايحدث في فلسطين ،كنت أنام بجانب حقيبة صغيرة فيها مجموعة من الصور العائلية ومتعلقات شخصية أحبها، تحسبًا لأي طارئ.

تطورت سلوكيات عديدة للقلق في تلك الفترة، مثلًا كنت لا أستطيع النوم بأي شكل من الأشكال لوحدي، عشرات الليالي مرت وأنا أنام بجانب سرير والدي على الأرض الباردة، أو بجانب أختي وعشرات التصاميم صممتها في خيالي لأسرة واقية من الرصاص وشاهدت كل ما استطعت الوصول له من الأفلام التي تتناول مواضيع الاستعداد للكوارث والمخابئ السرية.

كبرت مع عقدة الإحساس بالذنب تجاه كل ما أملك، التلفاز والطعام والملابس الجديدة والحياة المستقرة، كبرت وأنا أترقب اللحظة التي سينتهي فيها كل هذا.

وهكذا تشكلت مراهقتي، كثير من القلق والخوف وقليل من الوعي والمعرفة.

تخرجت من الثانوية وأنا في أسوء مراحلي النفسية، لم أفرح بحفلة تخرجي ولا بالهدايا ولا بالتبريكات، كنت مشمئزة من نفسي، وهلعي من مستقبلي يسيطر على كل فكرة وفرحة، تجاوز الأمر لاشمئزاز حقيقي من شكلي وجسمي وشعور مستمر بالنقص.

تركت هذه التراكمات في نفسي تفاصيل أثرت على صحتي الجسدية وقراراتي الدراسية، كنت أشعر بوهن نفسي دائم تفاقمت المشكلة لوهن جسدي حقيقي، في السنة الدراسية الأخير من المرحلة الثانوية كان قلقي يلتهمني، بدأ يظهر على شكل آلام في الأذنين ودوخة مستمرة، وبدأت رحلة القولون العصبي والهضمي .. بعد عدة محاولات تشخيصية فاشلة نصحتني صديقة بزيارة طبيب في جدة .. كان طبيب كبير في السن، بعد الفحص قال لي بالحرف الواحد: “ارحمي نفسك” أنا ماعندي لك علاج، عالجي قلقلك وبتتحسن أمورك.

اكتملت القصة مع دراسة تخصص لم أرغب فيه، ومستقبل مجهول، توقفت عن الدراسة بعد شهرين، سحبت ملفي واعتزلت في غرفتي ٦ أشهر كاملة، فقدت ١٥ كيلو من وزني وفقدت شعري كله، كنت أشعر بضياع حقيقي، أكثر من ١١ سنة مر على هذه التجربة، لكن أكتبها اوأشعر فيها كما لو أنها حدثت أمس.

خسرت في تلك المرحلة بعض صداقات المدرسة والمراهقة، كنت أعيش في عالم أسود يدور بدون توقف، يتغذى على عقلي وصبري.

بدأت دراستي الجامعية متأخرة عن زميلاتي بفصل دراسي، في تخصص لا أحبه أيضًا، كنت حرفيًا أجر قدمي للجامعة كل يوم وأبكي كل يوم، لم أكون صداقات، ولم أدخل في دوائر اجتماعية ولم أعش مرحلتي الجامعية بالشكل المتوقع، كنت أؤدي دور يطلبه مني المجتمع، كنت أحاول المحافظة على صورة الفتاة المثالية آو كنت مجبرة على المحافظة عليها.

ودي أكتب أكثر، لكن استرجاع هذا الكم الهائل من الذكريات أرهقني، ويبدو أن فكرة كتابة هذه التدوينات صباحًا قبل بداية يوم العمل فكرة غير جيدة لأنها تتحكم بمزاجي خلال اليوم.

نصيحة أخيرة أو رجاء قبل انهاء هذه التدوينة، تفقدوا من حولكم، اسألوا عنهم، عن مشاعرهم وأفكارهم ومخاوفهم، ادعموهم للحديث، ساعدوهم على الكلام، تحسسوا قلوبهم، طبطبوا على مشاعرهم، احتضنوا مخاوفهم مهما كانت بنظرتكم تافهة وبسيطة، كلمة قد تغير حياة أحدهم.

أتمنى لكم أيام هنية <3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *