حين فتحت لي الشركات الناشئة أبواب العالم
كنت وما زلت أحتفظ بارتباط خاص بوظيفتي الأولى في شركة بحر التجارة، تلك المحطة الصغيرة التي غيّرت مسار حياتي المهني بالكامل.
كان ذلك في عام 2013، حين رأيت إعلانًا نشره الأستاذ مازن الضراب عبر تويتر. بدون تردد، تقدمت بطلب التوظيف. لم تمر سوى ساعات قليلة حتى تلقيت مكالمة هاتفية مباشرة منه.
قال لي، بعبارة لم أنسها يومًا:
❝ نحتاج جيشًا من الموظفين النشيطين. ❞
كانت مكالمة سريعة، لكنها تركت أثرًا عميقًا في نفسي، وغرست في داخلي حماسًا حقيقياً للانضمام إلى هذا العالم الجديد.
اللقاء الأول: بداية لا تشبه البدايات
عندما وطأت قدمي مكاتب الشركة لأول مرة، أدركت أنني دخلت إلى عالم مختلف تمامًا عن صورة الوظائف التقليدية التي كنت أرسمها في ذهني.
مكتب صغير، بسيط، يغمره دفء العلاقات الإنسانية، كانت الأجواء خفيفة، لطيفة، مليئة بالحيوية والطموح.
مقارنةً بأجواء الوظائف الرتيبة في المؤسسات الكبيرة، بدا هذا المكان وكأنه وعد بحياة مهنية مختلفة؛ حياة مليئة بالحركة والمعرفة والنمو الشخصي.
في يومي الأول، تعرفت على الفريق، المهام، وطريقة سير العمل.
ومنذ تلك اللحظة، شعرت وكأن الله قد فتح لي أبوابًا واسعة من العلم والرزق والفرص.
العمل في الشركات الناشئة: جامعة حقيقية بدون مقاعد
العمل في شركة ناشئة يشبه السفر في رحلة برية مليئة بالمفاجآت.
خلال ثماني ساعات يوميًا، تتنقل بين المحاسبة والتوريد والتسويق وخدمة العملاء وحتى النمو والجولات الاستثمارية.
وفي كل زاوية، تسمع أسماء مثل سيلكون فالي تتردد، تشعر أن العالم بكل ضجيجه وحلمه الكبير قريب منك.
تتاح لك فرص للقاء رواد أعمال من مختلف القطاعات، والتواصل المباشر مع عمالقة الإعلام الجديد مثل يوتيوب وتويتر، حيث تهتم هذه المنصات الكبرى بدعم الشركات الناشئة وتفتح لها نوافذ واسعة للعالم.
❝ في شركة ناشئة، أنت لا تتعلم وظيفة؛ أنت تتعلم كيف تدير عالمًا. ❞
ورغم أن العمل بعيد كل البعد عن رفاهية القطاع الحكومي أو رواتب الشركات الكبرى، إلا أن الثروة المعرفية والمهارية التي تكتسبها، لا تقدّر بثمن.
العمل في شركة ناشئة ليس للجميع.
هو مناسب أكثر لأولئك الذين لا يخشون التحديات، الذين يمتلكون شغف الشباب، وقوة البدايات، ومتطلبات حياتهم لا تزال بسيطة.
مثالي لحديثي التخرج، الراغبين في حرق طاقتهم في شيء عظيم قبل أن تغلبهم قيود الروتين والاستقرار المضمون.
رحلتي في بحر التجارة
بدأت رحلتي في بحر التجارة ككاتبة محتوى.
مع مرور الأيام، تدرجت بين عدة مناصب، حتى أصبحت مديرة لفريق التسويق خلال خمس سنوات فقط.
تعلمت خلالها:
- قراءة الأكواد البرمجية.
- فهم أساليب التوريد وإدارة سلاسل الإمداد.
- التعامل مع العملاء في مواسم الضغط الكبرى.
- حضور وتنظيم عشرات المؤتمرات والمعارض.
كانت كل سنة في بحر التجارة تعادل سنوات خبرة في أي جهة تقليدية.
لاحقًا، حين انتقلت للعمل في شركات أكبر وأكثر رسمية، أدركت الفارق الشاسع.
معرفتي التسويقية والعملية كانت تتجاوز بفارق واضح معرفة مديري وزملائي.
المشاريع التي يعملون عليها لأسابيع، كنت أنهيها في ثلاثة أيام.
القرارات التي يترددون فيها طويلاً، كانت تتضح لي خلال ساعات.
❝ الشركات الناشئة تصنع منك عقلية حل، لا عقلية تبرير. ❞
هذه المرونة والسرعة والخفة، لم تأتِ من فراغ؛ جاءت من سنوات مكثفة من العمل الحقيقي، التواصل المباشر، والاعتماد الكلي على الذات.
( “حين تعمل في شركة ناشئة، تصير خبيرًا بكل شيء… لأن كل شيء يحتاجك.”)
نصيحتي الذهبية لحديثي التخرج
دائمًا، حين يسألني أحد حديثي التخرج عن نصيحتي الأولى، أقول بلا تردد:
ابحث عن شركة ناشئة.
احرق طاقتك فيها.
تعلم، اختلط، تواصل، خض التجربة بكامل قلبك.
ستعرف بعدها جيدًا أين تتجه، وما الذي تستحقه فعلًا.
الشركات الناشئة قد لا توفر لك الاستقرار، لكنها تمنحك أجنحة.
تمنحك عقلًا قادرًا على الطيران، على القيادة، على بناء شيء حقيقي في هذا العالم.