اضغط على ESC للإغلاق

لندن .. حبيبتي

 

في سبتمبر الماضي زرت لندن للمرة الأولى، كنت متحمسة وخائفة، قلقة بعض الشئ من النصائح العديدة التي وجهت لي قبل سفري “اكشخي، خذي شنط ماركات، خذي مكياج، اشتري حجابات كشخة …. الخ”
أنا أسافر عادة بحقيبة صغيرة وحقيبة ظهر، أسافر بحثًا عن التجربة الجديدة، أسعى للتخفف من تراكمات وضغوط السنة، أسافر للفسحة وليس لأعباء اجتماعية جديدة!
تجاهلت كل النصائح، رتبت شنطتي بشكل سريع قبل السفر مع جدول رحلة ممتلئ.
وزعت الجدول في الطائرة على رفقاء الرحلة، وتركت لهم الاختيار بين مرافقتي من عدمها.

صدمتي الأولى كانت استقبال الرحلات القادمة، قضينا مايقارب ٣ ساعات ننتظر انهاء اجراءات الوصول.
ثم توجهنا للفندق عند المغيب تقريبًا.
عند وصولنا بحثت عيناي سريعًا عن السفارة السعودية، حسب خريطة الفندق فان السفارة تقع بجواره، كانت عيناي تبحث عن غازي القصيبي، عن المشاهد اليومية التي رأها وساهمت في تكوين هذا المخزون الثقافي، كانت عيناي تبحث عن الحافلة التي كان يستقلها صباحًا وهو طالب، عن المبنى الضخم الذي عاش فيه سفيرًا بعد ذلك.
وجدت السفارة، تبعد عدة أمتار فقط عن الفندق، شاهدتها وأنا أتذكر الجزء الأخير من مقالته باي باي لندن، حيث كتب:
“في لندن هذه، تبتسم العجائز لك في الصباح، وتحييك فتاة المتجر بحرارة، ويستقبلك سائق سيارة التاكسي السوداء بنكاته. وفي لندن هذه، مطاعم دافئة صغيرة تشعر وانت تدخلها شعور انسان الكهف وهو يأوي الى حصن حصين بعد يوم حافل بالجوع والمخاطر. وفي لندن هذه، الكثير الكثير من الشعر، والكثير الكثير من الحب، والكثير الكثير من الحزن”

نمت تلك الليلة وأنا أحلم بالمطاعم الدافئة وفتاة المتجر والمطر!

وصلنا ليلًا، كنا مجموعة كبيرة، عادة نسافر في اجازة الصيف برفقة خالاتي، كنا تقريبًا ١١ شخص وهذه المرة الأولى التي نسافر برفقة طفل، وكانت فعلا مدينة صديقة للكبير والصغير.
لم نواجه أي صعوبة فيما يتعلق بعربات الأطفال أو أماكن التغيير المجهزة لهم، كل شي كان سريع وسلسل ومتوفر.

استيقظت في السادسة صباحًا، السماء تمطر والشمس بالكاد بدأت بالظهور، الشوارع أمام الفندق شبه خالية، والهايد بارك تقع مباشرة أمام الفندق، لم أراها ليلة الوصول بسبب الظلام.
غيرت ملابسي وخرجت متوجهة لها، السادسة وعشرون دقيقة صباحًا، مطر خفيف وشروق جميل ونسمات باردة منعشة.
ركضت لمدة عشرين دقيقة، عشرين دقيقة تحولت فيما بعد لروتين يومي أتأمل فيها جمال لندن!
ركضت في كل مناطق لندن السياحية تقريبًا، في الهايد بارك وميدان ليستر وشارع اكسفورد والبيكاديلي ومنطقة لندن اي والكثير من الشوارع الفرعية.
خسرت ٥ كيلو في ١٠ أيام! حرفيًا كنت أسير داخل المدينة بلا توقف <3
“ركضة الصباح” صنعت رحلتي فعلًا <3

انقسمنا لمجموعتين، مجموعة فضلت اوبر والأخرى اختارت الباص وطبعًا كنت على رأس المجموعة الثانية.
اعتمدت بشكل كامل في تنقلي على المشي والباصات، كانت تجربة الباصات بحد ذاتها رائعة، سهولة وسرعة وانسيابية وانغماس في المجتمع!
أنا من أكثر المشجعين لتجربة المواصلات العامة في السفر، فيها سحر غريب، تربطك مع المدينة أكثر، تجعلك فردًا منها، تنغمس بالحياة اليومية لأهلها سريعًا وتفهم عاداتهم وتعتاد اذنك على أصوات لغتهم.


وفي الحديث عن المواصلات العامة، برأيي محطات القطار وجهة سياحية بامتياز في لندن، حتى لو لم يسعفك الوقت أو خطة رحلتك للتنقل بالقطار، أنصحك بالمرور على محطة من المحطات والاستمتاع باللوح العديدة التي يرسمها المسافرون بخطواتهم.
توجهنا لمحطة القطار من أجل رحلة غير مخطط لها لمدينة برايتون الساحلية، مدينة قريبة من لندن تبعد ساعة بالقطار وثلاث ساعات بالسيارة.

في برايتون كل الناس مبتسمين وجاهزين للمساعدة، مدينة ممتدة الخضرة والزرقة، بها مساجد وجامعات، صادفت العديد من العوائل السعودية المستقرة هناك للدراسة.
تشبه مدن أفلام الكرتون بالمخابز المحلية العديدة والنوارس والسياكل ومحلات الآيسكريم.
يوم واحد كافً لها، تذهب في رحلة الصباح مثلًا وتعود في رحلة المساء.

النوارس والطيور ضيوف غير مدعوين لوجباتك، قد يلتقط النورس الايسكريم من يدك بحركة سريعة ومخيفة، وقد تجد عصفور صغير على طرف صحن ينتظر حصته من قطعة الخبز التي تأكلها.

صراحة، كانت رحلة. برايتون مدهشة ومميزة.

من أهم الأماكن التي أنصح بزيارتها، عين لندن مساءً، بالتأكيد الجميع يذهب لعين لندن في النهار، لكنها في المساء ساحرة وهادئة بشكل لايوصف، عربات طعام موزعة باضاءات منوعة، أزواج وأصدقاء يسيرون بهدوء ويتهامسون، ونهر التمز يضيف للمكان سحر مختلف.
زرت عين لندن في ثلاثة أوقات مختلفة، وفي كل وقت كان للمكان طاقة وسحر مختلف عن الأخر.
أجملهم على الاطلاق كان السير في المنطقة بعد الواحدة صباحًا، كانت ليلة ممطرة جميلة، الهدوء يلف المكان، والسماء تدغدغ أنوفنا، كنت برفقة صديقة وكانت حقًا ليلة استثنائية.

حقول الافندر من الأماكن المميزة في أطراف لندن، وقتها المثالي للزيارة في الربيع، في سبتمبر الشمس حارة قليلًا، لكن الافندر الممتد على مد النظر ينسيك الحرارة ويجعلك تغرق في اللحظة.
على طرف المزرعة تجد متجر يبيع فيه أصحاب المزرعة مخبوزاتهم واكسسوارات منوعة تتميز جميعها بطعم ورائحة الافندر، وفي هذا المكان تحديدًا تذوقت السكونز لأول مرة في حياتي، وقررت تسميتها رحلة سكونز الافندر والليمون!

من أهم التجارب في لندن حضور أحد عروض برودواي، حضرت عرض علاء الدين في سوهو وكانت ليلة جميلة، الموسيقى حية، والممثلين بارعين، والأزياء على متسوى عالي من الاتقان والجمال.

كامدن تاون من المناطق السياحية المهمة في لندن، مجموعة من الأكشاك في منطقة كبيرة تبيع كل ماتتخيله!
كتب قديمة وكاميرات وأفلام وطعام لذيذ ومقاهي مشهورة والكثير الكثير من الأشياء.
حتى طريق الوصول لها مميز، أحياء سكنية جميلة وحدائق وممرات مائية.
أنصح جدًا بزيارته.

التقيت بالسناجب للمرة الأولى في لندن، ناديت أمي بسرعة، تعالي شوفي أفلام كرتون! كانت السناجب تتسلق الأشحار بسرعة وتنظر لنا من بعيد، دهشة المرة الأولى كانت تتكرر بشكل يومي في لندن!

مطر لندن لذيذ، يهطل فجأة ويتوقف فجأة، يترك المكان منعش ونقي، زائر يومي يحبه العرب تحديدًا، أما الانجليز يقضبون حواجبهم ويهربون منه.
جلسنا تحته ساعات ولم نشبع منه، وداعه كان الأصعب علينا.

منطقة كوفنت قاردن السياحية المشهورة، من أهم الوجهات السياحية، فيها نشاطات منوعة طوال اليوم وأسواق عديدة، مثلا كل يوم اثنين ستجد سوق للمزارعين، يبيعون فيه محاصيلهم ومنتجاتهم اليدوية، مثل الصوابين والشموع والحقائب والاكسسوارات.
أيضًا يوجد سوق متخصص بالشاي ومنتجاته، اشتريت منه ألذ كاكو بودرة تذوقته حتى اليوم، خاصة الكاكاو بالبرتقال، مثالي جدًا لشراء الهدايا.
زرت كوفنت قاردن بشكل يومي تقريبًا، تتميز أيضًا بجمال البيوت في تلك المنطقة، مناسبة لتمشية نهاية النهار أو تمشية تضييع وقت بين موعدين.

وفي الحديث عن كوفنت قاردن، لابد من الاشارة لمقهى مونماوث، برأي من أجمل مقاهي لندن المحلية، من زاوية الشارع يمكنك تمييز رائحة القهوة اللذيذة، مقهى صغير لكن أجواءه دافئة وقهوته ممتازة.


صلينا صلاة عيد الأضحى في أحد مساجد لندن البعيدة، دلتني عليه صديقة، ولا أذكر احداثياته، لكن أذكر بالضبط ماحصل في ذلك الصباح، الجالية الباكستانية كانت طاغية، تكبير وأدعية وحلويات، كأني في مسجد الراجحي بشرق الرياض!
لأيام بعدها تأملت طقوس المسلمين التي تجمعهم، هذا الدين يربطنا أين ماكنا وكيف ماكنا، لا يهم ماهي اللغة التي نتحدث بها، أو ألوان بشراتنا، أو حتى نوع طعامنا، يجمعنا طقس ديني أتينا من جميع بقاع العالم لتأديته.
الصلاة في مسجد في لندن كانت تشبه تجربة الحج لحد كبير.

سمعت كثيرًا عن مطاعم لندن الفاخرة، لسنوات عشت مع قريباتي محاولات انقاص الوزن قبل السفر لها، وفعلًا، تتميز بطعامها اللذيذ، تجربتي كانت مختلفة قليلات، لكنها كانت أيضًا لذيذة، جربت المطاعم الصغيرة والمقاهي المغمورة وتناولت لأول وآخر مرة ساندوتش نقانق لذيذ من عربة أمام الهايد بارك، جلست على الرصيف بعد يوم طوووويل وأكلتها، بكل بساطة، كان لقائي الأول مع النقانق والأخير.
في الهايدبارك مقهى صغير، يفتح في وقت مبكر، بعد ركضتي الصباحية اجلس على طاولة أتأمل المطر وأطلب كاكاو حار، اليوم، لو لي أمنية تتحقق، لتمنيت أن أعود لتلك اللحظات الصباحية الممطرة.
الأكل الصحي في لندن بكل مكان -حرفيًا- وبأسعار بسيطة، جرعات الزنجبيل والعصير الأخضر وخيارات النباتيين متوفرة في كل شارع.

مزرعة الفواكه وجهة لطيفة لكن غير أساسية برأيي، مزرعة كبيرة فيها حقول اليقطين والفراولة والتوتيات بأنواعها، عند الباب يعطونك سلة وتجمع الثمار وتحاسب عليها بالوزن، الجميل في هذه الزيارة المتجر الضخم في المزرعة، متجر كبير وحديث فيه كل أدوات الزراعة التي تخطر على بالك، بيوت محمية صغيرة وكبيرة، مقصات، شتلات، أنوار، كل مايحتاجه المزارع المبتدئ والمحترف.
أيضًا فيه مخبز لذيييذ.
زرناه بنفس يوم مزرعة الافندر، يبعدون مسافة بسيطة عن بعضهم.

قصر بكنغهام  وجهة جيدة للتعرف على التراث الانجليزي، ماحبيت القصر بقدر مرافقه، الحدائق شاسعة والطيور منوعة وملونة، تمشي وتتخيل كيف يقضي أهل هذا المكان يومهم!
يتبع للقصر متجر للهدايا ومقهى، تمشية جيدة أيضًا لكنها لو كان عندك يوم زائد.

وبكل تأكيد لابد من المرور على الشوارع الرئيسية في لندن مثل شارع اكسفورد، تحديدًا وقت نهاية دوام الموظفين، ستندهش من كمية البشر في تلك اللحظة، ومحطات المترو المنتشرة بكل مكان وجهة سياحية ممتازة، أيضًا منطقة سوهو بمتاجرها القديمة وبساطتها، بالاضافة لتجربة عين لندن وتجربة اطعام البط في الهايدبارك.

صور متفرقة من الرحلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *