في فبراير عام 2018 زرت باريس لأول مرة في حياتي, كان موسم الثلج حينها, أرض باريس ترتدي الأبيض وسمائها ملتفة بأدخنة المداخن, لا أعتقد أني رأيت أجمل من هذا المشهد في حياتي, كنت أقضي ساعات أسير بلا تعب, أتحسس ندفات الثلج على معطفي, وأستنشق الهواء البارد وأتأمل حياة الفرنسين.
في واحدة من جولاتي في منطقة نوتردام, وجدت مجموعة من الأشخاص مكتضين حول متجر يبيع الكتب,حركني فضولي ودخلت واكتشفت اني داخل مكتبة شكسبير!
صدفة غريبة غير مخطط لها, صدفة جميلة, صدفة لذيذة ومن أجمل صدف حياتي.
بالرغم من أني درست الأدب الانجليزي في الجامعة, وقرأت بعض مسرحيات شكسبير, واطلعت على عشرات الاقتباسات له وقرأت عشرات وربما مئات المقالات النقدية لأدبه, الا أني غير متعلقة بالأدب الانجليزي ولا يجذبني شكسبير تحديدًا, الا أن المكتبة كانت عالم آخر, عالم ساحر.
أرفف خشبية ملونة, جدران من الطوب, اقتباسات وعبارات على كامل الجدران, في المكان حميمية عجيبة!
يوجد داخل المكتبة العديد من الكراسي الخشبية المخصصة للقراءة, وأغلفة الكتب الملونة العتيقة تجذبك بسحرها ورائحتها, والجدران تروي ألف حكاية, مئات بل ربما ألوف الكتب تصطف على الجدران بشموخ, قصص الزوار وذكرياتهم معلقة على لوح خشبي, والكثير من الفن مخبأ بين أرفف الكتب.
تحمل المكتبة تفاصيل يصعب حصرها, في لحظات ترى عينك جمالًا تعجز عن وصفه, حتى الدرج الخشبي يحمل في كل خطوة من خطواته قصة!
في الدور الثاني قطة سوداء تستريح بين الكتب, تعرف المكان لأنه منزلها, لا تخاف من الزوار, ترفع رأسها عند مرورهم تنظر لهم ثم تعود لاسترخائها.
هناك غرفة مخصصة لنقاشات الكتب, مجموعة من الأشخاص مختلفي الجنسيات يقرأون قصيدة بالانجليزية ويناقشونها ويكتبون ملاحظات في دفاترهم.
لا أعرف مساحة المكتبة بالضبط, لكن لا أعتقد أنها تتجاوز ال 200 متر, لكنها تحمل في داخلها آلاف السنين والحكايا وأنواع البشر.
يلتصق بالمكتبة مقهى شكسبير, مقهى بسيط يغلب عليه اللون الأخضر, فيه دفء عجيب, جلست على كرسي أتأمل المارة وقلبي مرهق من الجمال والاحساس.
أحببت باريس بشكل عام, لكني أحببت المكتبة بشكل خاص, فيها احساس استثنائي, والحمدلله أنه يسر لي المرور من منطقة نوتردام لألتقي بها.
اترك تعليقاً